المادة    
على أية حال الذي يهمنا في هذا الموضوع نقوله على سبيل الإجمال هو: أن أهل الكتاب بما حرفوا وبما بدلوا ابتعدوا بعقيدة إبراهيم عليه السلام, وملة إبراهيم عليه السلام -الذي اصطفاه الله واجتباه وهداه وجعله إماماً للناس- هذا البعد الشديد عن حقيقتها، وأولوا وحرفوا ليوافق مورثات نفسية أو أطماعاً دنيوية أو عقائد بدعية وثنية اختلقوها وابتدعوها.
ثم تأتي بعد ذلك الطامة الأكبر في هذا السياق, وهي أنهم يدعون الدعوة العريضة القائلة: إن إبراهيم كان يهودياً أو كان نصرانياً, وكذلك سائر الأنبياء وسائر الأسباط والأتباع.
كيف يكون الأمر كذلك؟! هذه البدع التي جاء إبراهيم عليه السلام لمحاربتها بكل أشكالها وكل صورها, وكل أنواع الوثنيات, وكل أنواع الغلو والضلال والابتداع, وجاء بالفطرة النقية الصافية تصبح كأنها جزءاً من عقائدهم, وبعد ذلك ينسب إبراهيم عليه السلام إليها, وما أحدثوا هذه الأحداث إلا من بعد الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم؛ ولذلك ينكر الله تبارك وتعالى عليهم محاجتهم في أن إبراهيم كان يهودياً ونصرانياً: (( وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ ))[آل عمران:65].
لكن كونه كان حنيفاً مسلماً مهما جاء بعد ذلك, ومتى ما أنزل القرآن بعد ذلك لا جديد؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول بكل وضوح للنبي صلى الله عليه وسلم: (( اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ))[النحل:123], و (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ ))[آل عمران:19], ويقول لأمته العظيمة المؤمنة التي جاءت: (( مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ))[الحج:78], يعني: هم لم يأتوا بأي جديد, وإنما رجعوا لما كان عليه إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه، أما أولئك فيضاهئون قول الذين كفروا من قبل بالبدع التي لا علاقة لها بأي نبي ولا بأي كتاب, ولم يوح الله تبارك وتعالى بها, ثم بعد ذلك لم يكتفوا بأنهم فعلوها وابتدعوها, وأضافوها إلى التوراة والإنجيل , وحرفوا الكلم من بعد مواضعه؛ العجب بعد ذلك أن يجعلوا هذا الدين هو دين إبراهيم عليه السلام؛ فينسبونه وهو السابق تاريخياً لما أحدثوا وابتدعوا إلى هذه الأديان البدعية المبتدعة المحدثة.
نأتي إلى هذا ونرجو أن نكون قد أوضحنا الصورة بما يتعلق بهذا الرجل, وتبقى بعد ذلك قضية عظيمة مهمة جداً في تاريخ الخليل عليه السلام, وهي موقف قومه منه, وقضية الإحراق بالنار, هذه الآية البينة الباهرة العظيمة, التي نرجو الله تبارك وتعالى أن يهيئ لنا ولكم الحديث عنها في اللقاء القادم بإذن الله تبارك وتعالى, وننظر أيضاً ماذا قال اليهود وماذا قال النصارى عن هذه الآية البينة العظيمة الجلية؟ وكيف جاءت في كتاب الله تبارك وتعالى؛ فأين الثرى من الثريا, وأين مقام الإعظام والإجلال والاحترام والتقدير لأنبياء الله تبارك وتعالى ورسله ومقام النبوة, وأعظم من ذلك الإجلال والإعظام لمعرفة قدر الله تبارك وتعالى, ووصفه بصفات الكمال والجلال ووصفه بالأسماء الحسنى تبارك وتعالى؛ وبين الذين ارتكسوا بالأديان أو بالعقائد التي وضعوها إلى أنواع وأخلاط من بقايا الوحي والوثنيات القديمة والحديثة والبدع الضالة.
نرجو الله تعالى أن يجمعنا وإياكم على خير في اللقاء القادم؛ حيث سيكون هذا الموضوع بإذن الله موضوعنا, وأن يوفقنا وإياكم للحق والهدى, ولما يحب ويرضى إنه على كل شيء قدير.
والحمد الله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.